يعتبر القانون الدولي العام فرعا من
فروع القانون العام، وذلك باعتبار أنه ينظم
العالقات الخارجية لمختلف أشخاص القانون الدولي
العام من دول ومنظمات دولية. ورغم وضوح مكانة هذا القانون فإن هناك اختلافات متعددة في تعريفه بل حتى
في تسميته:
- فالبعض يطلق عليه اسم القانون الدولي العام
International Droit، وهي تسمية تعود إلى الفيلسوف الإنجليزي
بينتام، الذي أطلق عليه اسم Law International،
إلا أن الملاحظ هو أن مصطلح International،
مشتق من كلمة Nations أي الأمم، وهو ما يجعل الترجمة غير دقيقة، إذ تصبح حرفيا: قانون الأمم.
- وهناك من يسميه: gens des Droit ومعناه قانون الشعوب. ورغم أن هذه
التسمية قديمة فإن هناك من لازال يأخذ بها من
الكتاب المعاصرين.
- هناك تسميات أخرى استعملها بعض الكتاب للدلالة على هذا الفرع من القانون: ومن ذلك تسمية جروسيوس (droit de la guerre et de la paix) أي قانون الحرب والسلم وكذلك تسمية بسكال فيور) humain genre du droit) أي قانون الجنس البشري، بينما سماه فيجل القانون السياسي الخارجي.
ونعتبر أن أهم تسمية يمكن أن تطلق على القانون الدولي باعتباره ينظم العالقة بين الدول أي قانون ما بين الدول.
1ـ تعريف القانون الدولي العام
لا يزال تعريف القانون الدولي العام من الأمور
غير المتفق عليها.. وهناك أكثر من مئة تعريف.. لذلك
سيتم الإشارة إلى الاتجاهات الفقهية
المختلفة التي عرفت القانون الدولي على أساس أشخاصه ونحصرها
في ثلاثة اتجاهات:
المذهب التقليدي:
يعتبر الدولة هي شخص القانون الدولي الوحيد:
لذلك يعرف القانون الدولي العام بأنه "عبارة
عن مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات بين الدول". أي أنه القانون
الذي يعنى بحقوق وواجبات الدول.. لأن المجتمع الدولي عندما ظهر لأول مرة بظهور الدولة القومية الحديثة في أوربا بداية القرن السابع عشر كان قاصرا على
الدول فقط.. لذلك فإن الدولة وحدها هي التي كانت تملك صفة شخص القانون الدولي
العام.
تعرض هذا التعريف لانتقادات كثيرة منها أنه لم يعد يساير أهداف هذا القانون والعلاقات التي ينظمها، بحيث أن المجتمع الدولي أصبح يضم عددا من المنظمات الدولية والاشخاص الدولية.. فلا بد من قانون دولي يشملهم وينظم علاقاتهم.
المذهب الموضوعي:
يرى ان الفرد هو شخص القانون الدولي الوحيد:
وأول من دعا إلى هذا الرأي هو الفقيه الفرنسي "ديكي" حيث أنكر الشخصية المعنوية للدولة.. وفي رأيه أنها مجرد افتراض لا قيمة له.. وعنده أن الدول ليست من أشخاص القانون الدولي.. بل الأفراد وحدهم هم أشخاص القانون الدولي.. لهذا فان قواعد هذا القانون لا تخاطب الدول بل تخاطب الافراد.. ولا سيما الحكام لأهم من الأفراد مثل غيرهم.
كذلك هذا التعريف سيتعرض لانتقادات كثيرة أبرزها، مغالاته في إنكار الشخصية القانونية للدولة، حيث ينطوي على مجافاة كثيرة لحقيقة الأوضاع في المجتمع الدولي، حيث تعد الدولة من الأشخاص الرئيسية فبه.
المذهب الحديث:
يأخذ هذا الاتجاه في تعريف القانون الدولي العام في الاعتبار جميع مكونات المجتمع الدولي وينظمها، وينطلق من حقيقة أن المجتمع الدولي من الممكن أن يتكون من وحدات تكوينية لا حصر لها، مع اعتبار أن الدولة هي الشخص الرئيسي في القانون الدولي.
وعليه يمكن تعريف القانون الدولي بأنه "مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات بين أشخاص القانون الدولي وتحدد حقوق وواجبات كل منها".
2ـ نشأة القانون الدولي العام
1ـ مؤتمر ويستفاليا:
جاء عقد معاهدة وستفاليا نتيجة تزايد الخلاف والتوتر بين الدول الأوروبية بسبب الصراع الديني في بعض تلك الدول والذي نجم عنه انقسام بعضها ودخول الأخرى في حروب لم تتوقف حتى إبرام معاهدة وستفاليا في سنة 1648 وكان أبرز ما جاءت به هو:
ـ ظهور الدول ذات السيادة التي كان بمقدورها
الدخول في علاقات دولية تمكنها من وضع قواعد القانون الدولي. وقد كانت هذه
الدول ذات السيادة قاصرة على الدول الأوربية المسيحية.
ـ إقرار مبدأ المساواة بين الدول الأوربية
المسيحية الكاثوليكية والبروتستانتية بعد أن تخلصت من
السيادة الدينية البابوية.
ـ الأخذ بفكرة التوازن الدولي للمحافظة على السلم
في أوربا.
ـ الاستمرار في إبرام المعاهدات الدولية وذلك لأهميتها
في العلاقات الدولية ولأنها وسيلة لحل المشاكل والخلافات بين الدول.
2ـ الثورة الفرنسية:
3ـ معاهدة فيينا لسنة 1815م:
4ـ التحالف المقدس لسنة 1815م:
عقدت الدول الأوروبية هذا الحلف وكانت الغاية منه تنفيذ القرارات التي نصت عليها معاهدة فيينا، ثم عقدت معاهدة "باريس" سنة 1857م فأقرت المساواة بين الدول المسيحية وغيرها من الدول. وجاءت بعدها معاهدة "جنبف" سنة 1864م الخاصة بمعاملة أسرى وجرحى الحروب.
5ـ الحرب العالمية الأولى:
كل هذه الجهود التي بذلت من أجل تدعيم وترسيخ قواعد القانون الدولي لم تعط أكلها، فالعوامل الاقتصادية والاعتبارات السياسية ورغبة التسلط المبنية على النزعة القومية العنصرية أدت إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى. لكن مع نهاية هذه الحرب "1918" بدأت مرحلة جديدة في تاريخ القانون الدولي العام يغلب فيها الطابع المؤسساتي على العلأقات المباشرة البسيطة التي ميزت المراحل السابقة.
6ـ الحرب العالمية الثانية:
عند نهاية الحرب العالمية الأولى وبالخصوص خلال مؤتمر فرساي 1919. أدرك المسؤولون السياسيون وخاصة الرئيس الأمريكي ولسون قصور وضعف القانون الدولي الكلاسيكي أو العلائقي وضرورة تحديثه حتى يستجيب لمتطلبات التضامن الدولي. وقد زاد هذا الإحساس تجدرا بعد حدوث حرب عالمية ثانية مدمرة. فقد اقتنع الجميع أن إرساء قواعد السلم وتقدم البشرية يمر عبر تطوير واحترام القانون الدول. غير أن الدول وحفاظا على سيادتها بقيت متمسكة بزمام المبادرة. فالتعاون والتضامن جاء في حدود ما توافقت عليه الدول. ورغم ذلك فإن التطور كان واضحا وملموسا، سواء على صعيد بنية المجتمع الدولي أو على صعيد مجال القانون الدولي.